الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واختلف في تفسير قوله تعالى عن قوله عليه الصلاة والسلام: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} على وجهين؛ أحدهما: أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا والثاني: أن يحمل على أحوال الآخرة. أما الأول؛ ففيه وجوه. أحدها: أنّ معناه لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم. ومن الغالب منا ومن المغلوب. ثانيها: قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة: رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشرّوا بذلك ورأوا أن ذلك فرج ما بهم من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا يا رسول الله ما رأينا الذي قلت متى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{قل ما كنت بدعًا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} هو شيء رأيته في المنام.{إن} أي: ما {أتبع} أي: بغاية جهدي وجدّي {إلاما} أي: الذي {يوحى} أي: يجدّد لقاؤه ممن لا يوحى بحق سواه {إلي} على سبيل التدريج لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري. ثالثها: قال الضحاك: لا أدري ما تؤمرون به ولا ما أو مر به من التكاليف والشرائع. ولا من الابتلاء والامتحان.{وما أنا} أي: بإخباري لكم عما يوحى إليّ {إلا نذير مبين} أي: بيّن الإنذار رابعها: كأنه يقول: ما أدري ما يفعل بي في الدنيا؛ أموت. أوأقتل كما قتل الأنبياء قبلي؟ ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون؛ أترمون بالحجارة من السماء. أو يخسف بكم. أو يفعل بكم ما يفعل بسائر الأمم؟ قال السدّي: ثم أخبره الله تعالى أنه يظهر دينه على الأديان بقوله تعالى: {هوالذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة).وقال في أمّته {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (الأنفال).فأخبره الله تعالى بما يصنع به وبأمّته.وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة. فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية. فرح المشركون والمنافقون واليهود. وقالوا: كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} إلى قوله تعالى: {وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا} (الفتح).فقالت الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} (سورة الفتح. آية).الآية وأنزل: {وبشر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلًا كبيرًا} (الأحزاب).فبين لهم ما يفعل به وبهم وبهذا قال أنس والحسن وعكرمة. وقالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه. لأنه إنما أخبر به عام الحديبية فنسخ ذلك.قال الرازي: وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول من وجهين؛ أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لابد وأن يعلم من نفسه ومتى علم كونه نبيًا علم أنه لا تصدر عنه الكبائر. وأنه مغفور له وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكًا في أنه هل هو مغفور له أولا ثانيهما: أن الأنبياء أرفع حالًا من الأولياء وقد قال تعالى في حقهم {إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف).فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكًا في أنه هل هو من المغفور لهم؟ فثبت ضعف هذا القول.{قل} يا أفضل الخلق لهؤلاء المصرّين على التكذيب {أرأيتم} أي: أخبروني {إن كان} أي: هذا الذي أتيتكم به وهو القرآن {من عند الله} أي: الملك الأعظم.{وكفرتم به} أي: أيها المشركون {وشهد شاهد} واحد أوأكثر {من بني إسرائيل} أي: الذي جرت عادتكم أن تستفتوهم وتثقوا بهم {على مثله} أي: مثل ما في القرآن من أنّ من وحد فقد امن ومن أشرك فقد كفر وأن الله تعالى أنزل ذلك في التوراة والأنجيل وجميع أسفارهم فتطابقت عليه كتبهم وتضافرت به رسلهم. وتواترت على الدعاء إليه والأمر به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام {فآمن} أي: هذا الذي شهد هذه الشهادة {واستكبرتم} أي: أوجدتم الكبر بالإعراض عنه طالبين بذلك الرياسة والفخر. فكنتم بعد شهادة هذا الشاهد معاندين من غير شبهة فضللتم. فوضعتم الشيء في غير موضعه. فانسدّ عليكم باب الهداية.واختلف في هذا الشاهد فقال قتادة والضحاك وأكثر المفسرين: هو عبد الله بن سلام شهد بنبوّة المصطفى صلى الله عليه وسلم وامن به. واستكبرت اليهود فلم يؤمنوا به. كما روى أنس قال: «سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فنظر إلى وجهه. فعلم أنه ليس وجه كذاب. وتأمّله فتحقق أنه النبيّ المنتظر. فقال له: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو الى أمّه؟ فقال صلى الله عليه وسلم أخبرني بهنّ جبريل آنفًا قال: جبريل؟ قال: نعم قال: ذاك عدواليهود من الملائكة فقرأ {من كان عدوًّا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} (البقرة) ثم قال: أما أول أشراط الساعة. فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه. وإذا سبق ماء المرأة نزعته. فقال: أشهد أنك لرسول الله حقًا. ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك فجاءت اليهود. فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أيّ رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا: خيرنا وابن خيرنا. وسيدنا وابن سيدنا. وأعلمنا وابن أعلمنا. قال أفرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه اللّه من ذلك فخرج إليهم عبد اللّه فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدًا رسول اللّه. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا. وانتقصوه فقال: هذا ما كنت أخاف منه يا رسول الله. قال سعد بن أبي وقاص: ما سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام؟ وفيه نزلت هذه الآية {وشهد شاهد من بني إسرائيل} (الأحقاف)».وقيل: الشاهد هو موسى بن عمران قال الشعبي: قال مسروق في هذه الآية: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأن ال {حم} نزلت بمكة وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؟ وإنما نزلت الآية في محاجة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بالمدينة وأجاب الكلبي: بأنّ السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية. وأن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين. وقيل المراد بالشاهد موسى. ومثل القرآن هو التوراة. فشهد موسى على التوراة. ومحمد على الفرقان فكل واحد يصدّق الآخر: لأن التوراة مشتملة على البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن مصدّق للتوراة. وجواب الشرط: ألستم ظالمين دل عليه قوله تعالى: {إن الله} أي: الملك الأعظم ذا العزة والحكمة {لا يهدي القوم} أي: الذين لهم قوّة على القيام بما يريدون {الظالمين} أي: الذين من شأنهم وضع الأمور في غير مواضعها فلأجل ذلك لا يهديكم. إذ لا أحد أرسخ منكم في الظلم الذي تسبب عنه هلاككم.{وَقال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَآمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقولونَ هَاذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عربيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وهُمْ يَحْزَنُونَ أولاِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.{وقال الذين كفروا} أي: تعمدوا تغطية الحق {للذين} أي: لأجل إيمان الذين {آمنوا} أي سبقوهم إلى الآيمان {لوكان} أي: إيمانهم بالقرآن {خيرًا} أي: من جملة الخيور {ما سبقونا إليه} ونحن أشرف منهم. وأكثر أموالًا وأولادًا. وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير. كما لم يسبقونا إلى شيء من هذه الخيرات التي نحن فائزون بها وهم صفر منها لكن ليس بخير. فلهذا سبقونا إليه {وإذ} أي: فحين {لم يهتدوا به} أي: بالقرآن كما اهتدى به أهل الآيمان {فسيقولون هذا} أي: القرآن الذي سبقتم إليه {إفك} أي: شيء مصروف عن وجهه إلى قفاه {قديم} أي: أفك غيره وعثر هو عليه فأتى به ونسبه إلى الله تعالى كما قالوا أساطير الأولين {ومن} أي: قالوا ذلك. والحال أنه كان في بعض الزمن الذي من {قبله} أي: القرآن {كتاب موسى} كليم الله تعالى. حال كون كتابه وهو التوراة {إماما} أي: يستحق أن يؤمّه كل من سمع به {ورحمة} لما فيه من نعم الدلائل على الله تعالى. والبيان الشافي. وفي الكلام محذوف. تقديره: وتقدّمه كتاب موسى إمامًا ورحمة ولم يهتدوا به كما قال تعالى في الآية الأولى {وإذ لم يهتدوا به}.{وهذا} أي: القرآن {كتاب} أي: جامع لجميع الخيرات {مصدّق} أي: لكتاب موسى عليه السلام. وغيره من الكتب التي تصح نسبتها إلى الله تعالى في أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله تعالى وقوله تعالى: {لسانًا} حال من الضمير في مصدّق.وقوله: {عربيًّا} صفة لـ: {لسانًا} وهو المسوّغ لوقوع هذا الجامد حالًا أي: في أعلى طبقات اللسان العربي. مع كونه أسهل الكتب تناولا. وأبعدها عن التكلف. ليس هو بحيث يمنعه علوّه بفخامة الألفاظ. وجلالة المعاني. ودقة الإشارة عن سهو لة الفهم. وقرب التناول.وقوله تعالى: {لينذر} أي: الكتاب بحسن بيانه. وعظم شأنه {الذي ظلموا} أي: سواء كانوا عريقين في الظلم. أم لا وقرأ نافع وابن عامر: بالتاء خطابًا أي: أيها الرسول. والباقون: بالياء غيبة بخلاف عن البزي.{وبشرى} أي: كاملة {للمحسنين} أي: المؤمنين. بأنّ لهم الجنة ولما قرّر دلائل التوحيد والنبوّة. وذكر شبهات المتكبرين وأجاب عنها ذكر بعد ذلك طريقة المحقين. فقال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا} أي: خالقنا ومو لأنا والمحسن إلينا {الله} وحده {ثم استقاموا} أي: جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العلم. و{ثم} للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد {فلا خوف عليهم} أي: من لحوق مكروه {ولاهم يحزنون} أي: على فوات محبوب. والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.{أولئك} أي: العالون الدرجات {أصحاب الجنة خالدين فيها} خلودًا لا آخر له جوزوا بذلك {جزاءً بما} أي: بسبب ما {كانوا} طبعًا وخلقًا {يعملون} أي: على سبيل التجديد المستمر.ولما كان رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما كما ورد به الحديث حث عليه بقوله تعالى: {ووصينا} أي: بما لنا من العظمة {الإنسان} أي: هذا النوع الذي أنس بنفسه {بوالديه} وقرأ: {حسنًا} نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم الحاء وسكون السين. وقرأ الكوفيون بسكون الحاء وقبلها همزة مكسورة وفتح السين وبعدها ألف. فهو منصوب على المصدر بفعل مقدّر. أي: وصيناه أن يحسن إليهما إحسانًا. ومثله حسنًا. وقرأ:{حملته أمّه كرهًا} أي: على مشقة {ووضعته كرهًا} أي: بمشقة الكوفيون وابن ذكوان بضم الكاف فيهما. والباقون بالفتح. وهما لغتان بمعنى واحد. مثل الضعف والضعف. وقيل: المضموم اسم. والمفتوح مصدر. وليس المراد ابتداء الحمل. فإنّ ذلك لا يكون بمشقة لقوله تعالى: {فلما تغشاها حملت حملًا خفيفًا فمّرت به فلما أثقلت} (سورة الأعراف. آية).فحينئذ حملته كرهًا ووضعته كرهًا.تنبيه:دلت الآية على أنّ حق الأم أعظم لأنه تعالى قال: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا} فذكرهما معًا ثم خص الأم بالذكر فقال: {حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا} وذلك يدل على أن حقها أعظم. وأنّ وصو ل المشاق إليها بسبب الولد كثيرة والأخبار كثيرة. في هذا الباب.{وحمله وفصاله} أي: من الرضاع {ثلاثون شهرًا} كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد. ومبالغة في الوصية بها. وفي ذلك دلالة على أنّ أقل مدّة الحمل ستة أشهر. لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثين شهرًا. وقال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} (البقرة).فإذا أسقطنا الحولين الكاملين. وهي أربعة وعشرون شهرًا من ثلاثين بقي مدة الحمل ستة أشهر.روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حملت المرأة تسعة أشهر. أرضعت أحد وعشرين شهرًا. وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرًا وروي عن أبي بكر أنّ امرأة دفعت إليه وقد و لدت لستة أشهر فأمر برجمها. فقال عمر: لا رجم عليها. وذكر الطريق المتقدمة وعن عثمان نحوه. وأنه همّ بذلك. فقرأ ابن عباس رضي الله عنهما عليه الآية. وأما مدة أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه. واختلف الأئمة في ذلك: فعند الشافعي أربع سنين.وقوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده} لابد فيه من جملة محذوفة. تكون حتى غاية لها. أي: عاش واستمّرت حياته حتى إذا بلغ أشده قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء: الأشد ثماني عشرة سنة. وقيل: نهاية قوّته وغاية شبابه واستوائه. وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فذلك قوله تعالى: {وبلغ أربعين سنة} وقال السدي والضحاك: نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وقيل: نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو وأمّه أم الخير بنت صخر بن عمرو وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الآية في أبي بكر الصدّيق أسلم أبواه جميعًا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره. أوصاه الله تعالى بهما و لزم ذلك من بعده. وكان أبو بكر يصحب النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبيّ صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في تجارته إلى الشام. فلما بلغ أربعين سنة. وتنبأ النبيّ صلى الله عليه وسلم امن به ثم امن أبواه. ثم ابنه عبد الرحمن. وابن عبد الرحمن أبو عتيق ثم إنّ أبا بكر دعا ربه بأن {قال رب أوزعني} أي: ألهمني. وقرأ ورش والبزي: بفتح الياء في الوصل. والباقون بسكونها {أن أشكر نعمتك التي أنعمت} أي: بها {علي} أي: وعلى أولادي {وعلى والديّ} وهي: التوحيد.وأكثر المفسرين: على أنّ الأشد ثلاث وثلاثون. قال الرازي: مراتب الحيوان ثلاثة؛ لأن بدن الحيوان لا يكون إلا برطوبة غريزية وحرارة غريزية والرطوبة الغريزية زائدة في أول العمر ناقصة في آخِره. والأنتقال من الزيادة إلى النقصان لا يعقل حصو له إلا إذا حصل الاستواء في وسط هاتين المدّتين. فثبت أنّ مدّة العمر منقسمة إلى ثلاثة أقسام فأولها: أن تكون الرطوبة الغريزية زائدة على الحرارة الغريزية. وحينئذ تكون الأعضاء عظيمة التمدد في ذواتها وزيادتها في الطو ل والعرض والعمق وهذا هو سن النشء والثانية وهي المرتبة المتوسطة أن تكون الرطوبة الغريزية وافية بحفظ الحرارة الغريزية من غير زيادة ولا نقصان. وهذا هو سن الوقوف. وهو حين الشباب.والمرتبة الثالثة: أن تكون الرطوبة الغريزية ناقصة عن الوفاء بحفظ الحرارة الغريزية ثم هذا النقصان على قسمين فالأول: هو النقصان الخفي. وهو سن الكهو لة. والثاني: هو النقصان الظاهر. وهو سن الشيخوخة.قال المفسرون: لم يبعث نبيّ قط إلا بعد الأربعين سنة. قال الرازي: وهذا يشكل بعيسى عليه السلام فإنه تعالى جعله نبيًا من أول عمره. إلا أنه يجب أن يقال: الأغلب أنه ما جاء الوحي إلا بعد الأربعين. وهكذا كان الأمر في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ثم إنّ أبا بكر دعا أيضًا فقال: {وأن أعمل صالحًا ترضاه} قال ابن عباس: أجاب الله تعالى دعاء أبي بكر. فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله تعالى. منهم بلال ولم يرد شيئًا من الخير إلا أعانه الله عليه ودعا أيضًا فقال: {وأصلح لي في ذرّيتي} فأجاب الله تعالى دعاءه. فلم يكن له و لد إلا امن فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعًا وأدرك أبواه وابنه عبد الرحمن وابن ابنه أبو عتيق النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم مؤمنون. ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة.
|